بسم الله الرحمن الرحيم
فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن
اسم المؤلف
• علي الضباع بن محمد
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل القرآن وشرفنا بحفظه وتلاوته وتعبدنا بتدبره ودراسته وجعل ذلك من أعظم عبادته وأشهد أن لا إلى غلا الله وحده لا شريك له دلت على وجوده المصنوعات وشهدت بجماله وكماله وجلاله وعظمته الآيات البينات وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله القائل فيما يروه عن رب العالمين (من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازوا الدرجة العليا في حفظ القرآن والعمل بشروط وآدابه.
وبعد فيقول أضعف الورى وأحوج الخلق إلى رحمة الغني الكريم (علي الضباع بن محمد بن حسن بن إبراهيم): هذه نبذة لطيفة في بيان آداب قارىء القرآن وكاتبه ومن يعلمه أو يتعلمه أو يحضر مجالس المحتفلين به لخصتها من كتب الأئمة المعتبرين كالتبيان والاتقان واللطائف والاتحاف والنهاية وتحفة الناظرين.
وسميتها: (فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن). والله أسأل أن ينفع بها النفع العميم وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه جواد كريم رؤوف رحيم. يجب عليه ن يخلص في قراءته وبريد بها وجه الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح أو نحو ذلك وأن لا يقصد بها توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال أو رياسة أو وجاهة وأن لا يتخذ القرآن معيشة يتكسب بها فلو كان له شيء يأخذه على ذلك فلا يأخذه بنية الأجرة بل بنية الإعانة على ما هو بصدده وأن يراعي الأدب مع القرآن فيستحضر في ذهنه أنه يناجي ربه ويقرأ كتابه فيتلوه على حالة من يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإن الله سبحانه وتعالى يراه وذلك بأن يقدر كأنه واقف بين يدي الله تعالى وهو ناظر إليه ومستمع منه.
ويستحب له إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالخلال ثم بالسواك أو نحوه من كل ما ينظف.
أما متنجس الفم فتكره له القراءة.
وقيل تحرم كمس المصحف باليد النجسة ولو قطع القراءة وعاد إليها عن قرب استحب له إعادة السواك قياسا على التعوذ وأن يكون متطهرا متطيبا بماء ورد ونحوه ولا تكره القراءة للمتحدث وكذا المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهرها وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة.
نعم يجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب.
وإذا عرض للقارئ ريح فليمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجه ثم يعود إلى القراءة وكذلك إذا تئاءب أمسك عنها أيضا حتى ينقضي التثاؤب وأن يقرأ في مكان نظيف وأفضله المسجد بشرطه ولتحصل فضيلة الإعتكاف وهو أدب حسن.
وكره قوم القراءة في الحمام والطريق.
واختار الشافعية أن لا تكره فيهما ما لم يشتغل وإلا كرهت كحش وبيت الرحا وهي تدور والأسواق ومواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء وبيت الخلاء وتكره أيضا للناعس مخافة الغلط وفي حالة الخطبة لمن يسمعها وأن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا له وأن يكون مصونا عن دنيء الاكتساب شريف النفس مرتفعًا على الجبارة والحفاء من أهل الدنيا متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين وأن يجتنب الضحك والحديث الأجنبي خلال القراءة إلا لحاجة والعبث باليد ونحوها والنظر إلى ما يلهي أو يبدد الذهن وأن يلبس ثياب التجمل كما يلبسها للدخول على الأمير وأن يجلس عند القراءة مستقبل القبلة مستويا ذا سكينة ووقار مطرقا رأسه غير مترفع ولا على هيئة التكبر بحيث يكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي معلمه.
فلو قرأ قائما أو مضطجعا جاز وله أجر أيضا ولكنه دون الأول وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة وقبل بعدها لظاهر الآية وأوجبها قوم لظاهر الأمر فلو مر على قوم فسلم عليهم وعاد إلى القراءة حسن إعادة التعوذ وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير براءة وتتأكد إذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل ويخير القارئ عند الابتداء بالأوساط.
والسنة أن يصل البسملة بالحمدلة وأن يجهر بها حيث يشرع الجهر بالقراءة.
والاسرار بالقراءة أفضل إن خيف الرياء أو تأذي مصلين أو نيام وإلا فالجهر أفضل.
ويسن أن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه وإذا مر بأحد وهو يقرأ فيستحب له قطع القراءة ليسلم عليه ثم يرجع إليها ولو أعاد التعوذ كان حسنا ويقطعها لرد السلام وجوبا وللحمد بعد العطاس وللتشميت ولإجابة المؤذن ندبا وإذا ورد عليه من فيه فضيلة من علم أو صلاح أو شرف فلا بأس بالقيام له على سبيل الإكرام لا للرياء بل ذلك مستحب ويسن أن يقرأ على ترتيب المصحف لآن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه فلو فرق السور أو عكسها كما في تعليم الصغار جاز وقد ترك الأفضل وأما قراءة السورة منكوسة فمتفق على منعه ويكره خلط سورة بسورة والتقاط آية أو آيتين أو أكثر من كل سورة مع ترك قراءة باقيها وإذا ابتدأ من وسط سورة أو وقف على غير آخرها فليبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وليقف على الكلام المرتبط ولا يتقيد بعشر ولا حزب والقراءة في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب لأنه يجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى.
نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في قراءته عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه قاله الإمام النووي تفقها وهو حسن ولا يحتاج قراءة القرآن إلى نية كسائر الأذكار إلا إذا نذرها فلا بد من نية النذر وتستحب قراءة الجماعة مجتمعين سواء كانت مدارسة أو إدارة وتجوز قراءة القرآن بالقراءات المجمع على تواترها دون الروايات الشاذة ومن قرأ بالشاذة يجب تعريفه بتحريمها كما عليه الجمهور إن كان جاهلا وتعزيره ومنعه منها إن كان عالما وإذا ابتدأ قارىء بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بغيرها والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس ولا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا كما لا تجوز بجمع القراءات في محافل العامة دون العرض على الشيوخ مع ما فيه وتستحب القراءة بالترتيل وتحسين الصوت بشرط أن لا تخرج عن حدود الواجب شرعا من إخراج كل حرف من مخرجه موفى حقه ومستحقه وإلا كرهت وتكره بالإفراط في الإسراع مطلقا وتستحب القراءة أيضا بالتدبر والتفهم بأن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك ولا بأس بتكرير الآية وترديدها حتى يتم له ذلك فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر وإذا مر بآية فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم صلى عليه سواء القارئ والمستمع ويتأكد ذلك عند قوله تعالى: (إِنَّ اللَهَ وَمَلائِكَتِهِ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا).
وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل أو عذاب أشفق وتعوذ أو تنزيه نزه وعظم أو دعاء تضرع وطلب وليقل بعد خاتمة والتين: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وبعد خاتمة القيامة: بلى وبعد خاتمة المرسلات: آمنا بالله وبعد خاتمة الملك: الله رب العالمين وبعد: فبأي آلاء ربكما تكذبان ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد وبعد ختم والضحى وما بعدها يكبر وليخفض صوته بقوله: وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ونحو ذلك وإذا فرغ من لفاتحه يقول آمين.
ويستحب أن يكثر من البكاء عند القراءة والتباكي لمن لا يقدر عليه والحزن والخشوع وطريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن فمن الحزن ينشأ البكاء ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ثم يتأمل في تقصيره في امتثال أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد ذلك منه فإنه من عظم المصائب.
ويستحب أن يراعى حق الآيات فإذا مر بآية سجدة من سجدات التلاوة سجد ندبا خلافا للحنفية حيث قالوا بوجوبها وهي عند الشافعية في الجديد أربع عشرة سجدة: في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم واثنان في الحج وفي الفرقان والنمل والم السجدة وحم السجدة والنجم والانشقاق والعلق وأما سجدة ص فسجدة شكر.
وعند الحنيفة أربع عشرة أيضا لكن بإسقاط ثانية الحد وإثبات سجدة ص.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما كالشافعية.
والثانية خمس عشرة سجدة.
وعن مالك قولان.
أولهما كالشافعية.
والثاني إحدى عشرة بإسقاط النجم والانشقاق والعلق ويدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها ويشترط في هذه السجدات شروط الصلاة من ستر العورة واستقبال القبلة وطهارة الثوب والبدن والمكان ومن لم يكن على طهارة عند التلاوة يسجد بعد أن يتطهر ويسن أن يتعاهد القرآن ويكثر من قراءته ما أمكن في كل وقت بلا استثناء خلافا لمن كرهها بعد صلاة العصر وقال إنها من فعل اليهود وليكن اعتناؤه بها في الليل أكثر لكونه أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات وليحترس من نسيانه فإن نسيانه كبيرة وكذا نسيان شيء منه كما صرح به النووي في الروضة وغيرها وإذا ارتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب في سؤاله ولا يتكلم بما يلبس عليه.
والسنة أن يقول أنسيت كذا لا نسيته إذ ليس هو فاعل النسيان.
ويستحب للقارئ إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم ويشهد على ذلك أنه حق فيقول: صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين.
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ويسن صوم يوم الختم وجمع الأهل والأصدقاء عنده والدعاء عقبه ثم الشروع في ختمة أخرى وجرى عمل الناس على تكرير سورة الإخلاص ومنعه الإمام أحمد.
آداب مس المصحف وحمله وكتابته يحرم على المحدث ولو أصغر مس شيء من المصحف وحمله وكذا مس خريطة وصندوق فيهما مصحف بشرط أن يكونا معدين له وكذا مس علاقة لائقة به بشرط أن يكون عليها المصحف وكذا يحرم عليه مس ما كتب لدراسة ولو بعض كلوح وعلاقته ويجب منع المجنون والصبي الذي لا يميز من مسه مخافة انتهاك حرمته.
فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن
اسم المؤلف
• علي الضباع بن محمد
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل القرآن وشرفنا بحفظه وتلاوته وتعبدنا بتدبره ودراسته وجعل ذلك من أعظم عبادته وأشهد أن لا إلى غلا الله وحده لا شريك له دلت على وجوده المصنوعات وشهدت بجماله وكماله وجلاله وعظمته الآيات البينات وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله القائل فيما يروه عن رب العالمين (من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازوا الدرجة العليا في حفظ القرآن والعمل بشروط وآدابه.
وبعد فيقول أضعف الورى وأحوج الخلق إلى رحمة الغني الكريم (علي الضباع بن محمد بن حسن بن إبراهيم): هذه نبذة لطيفة في بيان آداب قارىء القرآن وكاتبه ومن يعلمه أو يتعلمه أو يحضر مجالس المحتفلين به لخصتها من كتب الأئمة المعتبرين كالتبيان والاتقان واللطائف والاتحاف والنهاية وتحفة الناظرين.
وسميتها: (فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن). والله أسأل أن ينفع بها النفع العميم وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه جواد كريم رؤوف رحيم. يجب عليه ن يخلص في قراءته وبريد بها وجه الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح أو نحو ذلك وأن لا يقصد بها توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال أو رياسة أو وجاهة وأن لا يتخذ القرآن معيشة يتكسب بها فلو كان له شيء يأخذه على ذلك فلا يأخذه بنية الأجرة بل بنية الإعانة على ما هو بصدده وأن يراعي الأدب مع القرآن فيستحضر في ذهنه أنه يناجي ربه ويقرأ كتابه فيتلوه على حالة من يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإن الله سبحانه وتعالى يراه وذلك بأن يقدر كأنه واقف بين يدي الله تعالى وهو ناظر إليه ومستمع منه.
ويستحب له إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالخلال ثم بالسواك أو نحوه من كل ما ينظف.
أما متنجس الفم فتكره له القراءة.
وقيل تحرم كمس المصحف باليد النجسة ولو قطع القراءة وعاد إليها عن قرب استحب له إعادة السواك قياسا على التعوذ وأن يكون متطهرا متطيبا بماء ورد ونحوه ولا تكره القراءة للمتحدث وكذا المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهرها وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة.
نعم يجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب.
وإذا عرض للقارئ ريح فليمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجه ثم يعود إلى القراءة وكذلك إذا تئاءب أمسك عنها أيضا حتى ينقضي التثاؤب وأن يقرأ في مكان نظيف وأفضله المسجد بشرطه ولتحصل فضيلة الإعتكاف وهو أدب حسن.
وكره قوم القراءة في الحمام والطريق.
واختار الشافعية أن لا تكره فيهما ما لم يشتغل وإلا كرهت كحش وبيت الرحا وهي تدور والأسواق ومواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء وبيت الخلاء وتكره أيضا للناعس مخافة الغلط وفي حالة الخطبة لمن يسمعها وأن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا له وأن يكون مصونا عن دنيء الاكتساب شريف النفس مرتفعًا على الجبارة والحفاء من أهل الدنيا متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين وأن يجتنب الضحك والحديث الأجنبي خلال القراءة إلا لحاجة والعبث باليد ونحوها والنظر إلى ما يلهي أو يبدد الذهن وأن يلبس ثياب التجمل كما يلبسها للدخول على الأمير وأن يجلس عند القراءة مستقبل القبلة مستويا ذا سكينة ووقار مطرقا رأسه غير مترفع ولا على هيئة التكبر بحيث يكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي معلمه.
فلو قرأ قائما أو مضطجعا جاز وله أجر أيضا ولكنه دون الأول وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة وقبل بعدها لظاهر الآية وأوجبها قوم لظاهر الأمر فلو مر على قوم فسلم عليهم وعاد إلى القراءة حسن إعادة التعوذ وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير براءة وتتأكد إذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل ويخير القارئ عند الابتداء بالأوساط.
والسنة أن يصل البسملة بالحمدلة وأن يجهر بها حيث يشرع الجهر بالقراءة.
والاسرار بالقراءة أفضل إن خيف الرياء أو تأذي مصلين أو نيام وإلا فالجهر أفضل.
ويسن أن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه وإذا مر بأحد وهو يقرأ فيستحب له قطع القراءة ليسلم عليه ثم يرجع إليها ولو أعاد التعوذ كان حسنا ويقطعها لرد السلام وجوبا وللحمد بعد العطاس وللتشميت ولإجابة المؤذن ندبا وإذا ورد عليه من فيه فضيلة من علم أو صلاح أو شرف فلا بأس بالقيام له على سبيل الإكرام لا للرياء بل ذلك مستحب ويسن أن يقرأ على ترتيب المصحف لآن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه فلو فرق السور أو عكسها كما في تعليم الصغار جاز وقد ترك الأفضل وأما قراءة السورة منكوسة فمتفق على منعه ويكره خلط سورة بسورة والتقاط آية أو آيتين أو أكثر من كل سورة مع ترك قراءة باقيها وإذا ابتدأ من وسط سورة أو وقف على غير آخرها فليبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وليقف على الكلام المرتبط ولا يتقيد بعشر ولا حزب والقراءة في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب لأنه يجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى.
نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في قراءته عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه قاله الإمام النووي تفقها وهو حسن ولا يحتاج قراءة القرآن إلى نية كسائر الأذكار إلا إذا نذرها فلا بد من نية النذر وتستحب قراءة الجماعة مجتمعين سواء كانت مدارسة أو إدارة وتجوز قراءة القرآن بالقراءات المجمع على تواترها دون الروايات الشاذة ومن قرأ بالشاذة يجب تعريفه بتحريمها كما عليه الجمهور إن كان جاهلا وتعزيره ومنعه منها إن كان عالما وإذا ابتدأ قارىء بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بغيرها والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس ولا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا كما لا تجوز بجمع القراءات في محافل العامة دون العرض على الشيوخ مع ما فيه وتستحب القراءة بالترتيل وتحسين الصوت بشرط أن لا تخرج عن حدود الواجب شرعا من إخراج كل حرف من مخرجه موفى حقه ومستحقه وإلا كرهت وتكره بالإفراط في الإسراع مطلقا وتستحب القراءة أيضا بالتدبر والتفهم بأن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك ولا بأس بتكرير الآية وترديدها حتى يتم له ذلك فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر وإذا مر بآية فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم صلى عليه سواء القارئ والمستمع ويتأكد ذلك عند قوله تعالى: (إِنَّ اللَهَ وَمَلائِكَتِهِ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا).
وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل أو عذاب أشفق وتعوذ أو تنزيه نزه وعظم أو دعاء تضرع وطلب وليقل بعد خاتمة والتين: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وبعد خاتمة القيامة: بلى وبعد خاتمة المرسلات: آمنا بالله وبعد خاتمة الملك: الله رب العالمين وبعد: فبأي آلاء ربكما تكذبان ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد وبعد ختم والضحى وما بعدها يكبر وليخفض صوته بقوله: وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ونحو ذلك وإذا فرغ من لفاتحه يقول آمين.
ويستحب أن يكثر من البكاء عند القراءة والتباكي لمن لا يقدر عليه والحزن والخشوع وطريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن فمن الحزن ينشأ البكاء ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ثم يتأمل في تقصيره في امتثال أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد ذلك منه فإنه من عظم المصائب.
ويستحب أن يراعى حق الآيات فإذا مر بآية سجدة من سجدات التلاوة سجد ندبا خلافا للحنفية حيث قالوا بوجوبها وهي عند الشافعية في الجديد أربع عشرة سجدة: في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم واثنان في الحج وفي الفرقان والنمل والم السجدة وحم السجدة والنجم والانشقاق والعلق وأما سجدة ص فسجدة شكر.
وعند الحنيفة أربع عشرة أيضا لكن بإسقاط ثانية الحد وإثبات سجدة ص.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما كالشافعية.
والثانية خمس عشرة سجدة.
وعن مالك قولان.
أولهما كالشافعية.
والثاني إحدى عشرة بإسقاط النجم والانشقاق والعلق ويدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها ويشترط في هذه السجدات شروط الصلاة من ستر العورة واستقبال القبلة وطهارة الثوب والبدن والمكان ومن لم يكن على طهارة عند التلاوة يسجد بعد أن يتطهر ويسن أن يتعاهد القرآن ويكثر من قراءته ما أمكن في كل وقت بلا استثناء خلافا لمن كرهها بعد صلاة العصر وقال إنها من فعل اليهود وليكن اعتناؤه بها في الليل أكثر لكونه أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات وليحترس من نسيانه فإن نسيانه كبيرة وكذا نسيان شيء منه كما صرح به النووي في الروضة وغيرها وإذا ارتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب في سؤاله ولا يتكلم بما يلبس عليه.
والسنة أن يقول أنسيت كذا لا نسيته إذ ليس هو فاعل النسيان.
ويستحب للقارئ إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم ويشهد على ذلك أنه حق فيقول: صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين.
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ويسن صوم يوم الختم وجمع الأهل والأصدقاء عنده والدعاء عقبه ثم الشروع في ختمة أخرى وجرى عمل الناس على تكرير سورة الإخلاص ومنعه الإمام أحمد.
آداب مس المصحف وحمله وكتابته يحرم على المحدث ولو أصغر مس شيء من المصحف وحمله وكذا مس خريطة وصندوق فيهما مصحف بشرط أن يكونا معدين له وكذا مس علاقة لائقة به بشرط أن يكون عليها المصحف وكذا يحرم عليه مس ما كتب لدراسة ولو بعض كلوح وعلاقته ويجب منع المجنون والصبي الذي لا يميز من مسه مخافة انتهاك حرمته.