لماذا كان الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم!
"إني أتنبأ بأن الناس سيقبلون على دين محمد في أوروبا في المستقبل، وقد بدأ يلقى القبول في أوروبا اليوم " جورج برنارد شو.
إن ما تنبأ به هذا الأديب الأوروبي أصبح حقيقة واقعة اليوم، فالدين الإسلامي هو في المرتبة الثانية من حيث أعداد معتنقيه في أوروبا، وهو أسرع الأديان انتشاراً في العالم، أما لماذا؟
فالإجابة على هذا السؤال ستكون بطريقين: إحداهما نظرية؛ نستطلع فيها خصائص هذا الدين الإسلامي العظيم الذي أقبلت عليه البشرية اليوم. والطريق الأخرى: واقعية عملية؛ نستنطق فيها قصص رجالات مشهورين في العالم، في شتى المعارف والعلوم، رجال في السياسة، والفكر، والاجتماع، والاقتصاد، فيخبرونا فيها عن أسباب إسلامهم؛ وعن أثر الدين الإسلامي في حياتهم، ومبلغ سعادتهم باعتناقه.
أولاً: خصائص الدين الإسلامي:
الخاصة الأولى: البساطة والمنطقية والقابلية للتطبيق:
فالإسلام دين لا أساطير فيه، وتعاليمه بسيطة وواضحة مفهومة، فهو لا يقرُّ الخرافة ولا المعتقدات التي تنافي العقول السليمة؛ والإيمان بوحدانية الله، وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه، وبالحياة الآخرة هي المبادئ الرئيسية في العقيدة الإسلامية، وكلها قائمة على أساس من الفكر السليم والمنطق الرصين.
وجميع تعاليم الإسلام ترتكز على هذه الأسس الأولية وجميعها بسيطة وقويمة.
وليس في الإسلام سلطة كهنوتية تحتكر الدين، ولا أفكار مجردة يصعب تصديقها، ولا طقوس دينية معقدة. بل يستطيع كل إنسان أن يقرأ كتاب الله (القرآن ) ثم يصوغ حياته عملياً طبقاً لهذا الكتاب.
والإسلام يحثّ الإنسان على التفكر وتدبر الأمور، وعلى البحث عن الحقيقة والسعي إلى المعرفة؛ ويأمر الله الإنسان أن يسأل ربه المزيد من العلم {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }
[طه: 114].
ويقرر القرآن الكريم أنه بالعلم استحق الإنسان الأفضلية على الملائكة. واستحق الخلافة في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون َ} [البقرة: 30-33].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ) رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان والأرناؤوط. ويقول: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
وهكذا يُخرج الإسلام الناس من عالم الخرافات ومن ظلمات الجهل، ويأخذ بيدهم إلى دنيا العلم والنور، وهو في ذلك دين عملي لا ينحصر في نظريات فارغة عقيمة، بل يقرر أن الإيمان ليس مجرد معتقدات يؤمن بها الإنسان، إنما على الإنسان أن يجعله ينبوع حياته الواقعية فتسري روحه في كل ما يؤديه من عمل كما يسري الماء في خلايا الكائنات الحية، ذلك أن الإيمان بالله يستتبع تنفيذ أوامره، فليس الدين مجرد كلمات ترددها الأفواه في ذكر الله والثناء عليه، بل هو حياة الإنسان كلها، وفي هذا يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }
[الرعد: 29].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه ) رواه النسائي، وقال الألباني: حسن صحيح.
ولهذا نقول إن الإسلام دين البساطة، والعقل، والواقعية.
الخاصة الثانية: وحدة المادة والروح:
من الخصائص الفريدة للإسلام أنه لا يفصل بين المادة والروح، بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة تشملهما معاً، فلا يحول بين الإنسان ومقتضيات الحياة، بل يتولى تنظيم هذه المقتضيات؛ لا يقر الحرمان ولا يطلب تجنُّب الحياة المادية، بل يرسم الطريق إلى رفعة الجانب الروحي من خلال تقوى الله في النواحي المختلفة من حياة البشر، لا من خلال إنكار المطالب الدنيوية، ويحكي عن عباد الله الصالحين: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [البقرة: 201-202].
كما ينعى على أولئك الذين لا ينعمون بواسع فضل الله وما خلق من متاع طيب فيقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون َ} [الأعراف: 32].
ولكنه في الوقت ذاته يطلب إليهم أن يكونوا في ذلك أمَّةً وسطاً: {يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31].
وفي الحديث النبوي: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه ) رواه البخاري.
فالإسلام على ذلك لا يقر الفصل بين المادية والروحانية في حياة الإنسان، ولكن يؤلف بينهما حتى يتسنى للإنسان أن يمارس الحياة بكل طاقاته على أسس صحيحة سليمة، ويعلمه أن الجانبين المادي والروحي متلازمان متلاصقان، وأن تنقية الروح من الشوائب أمر ميسور إذا استخدمت المادة لصالح الإنسانية، ولا يتم ذلك بالتقشف والزهد وقهر الغرائز الحيوية.
وكم قاست البشرية نتيجة سيطرة جانب واحد من الجانبين الروحي والمادي في كثير من الأديان والمذاهب، فبعضها بالغ في تغليب عالم الروح وتجاهل الناحية الدنيوية ونظر إليها على أنها وهْمُ وخيال خدّاع وشَرَكٌ يجب الفرار منه، وبعضها بالغ في تغليب عالم المادة وتجاهل الجانب الروحي واصفاً إياه بأنه مجرد وهم مصطنع وتلفيق خيالي، ولم تجن البشرية من هذا الاتجاه أو ذاك إلا التعاسة والشقاء، بعد فقدان عوامل الأمن والرضى والاستقرار؛ وحتى في أيامنا هذه فإنه ما زال التوازن بين الجانبين مفقوداً.
يقول العالم الفرنسي الدكتور دي بروجبي Dr. De Brogbi إن الخطر الكامن في المدنية المادية البحتة يمكن تلخيصه في أنه موجه إلى هذه المدنية نفسها. هذا الخطر هو الاختلال وعدم التوازن المتوقع حدوثه إذا لم تجد الحياة الروحية لها طريقاً إلى جانب المدنية المادية لتعيد إلى الحياة الإنسانية توازنها الذي تفتقر إليه .
لقد اعتمدت المسيحية على أحد الجانبين وأخطأت المدنية الحديثة في الجانب الآخر.
والإسلام يهدف إلى إيجاد توازن بين هذين الوجهين في الحياة، المادي والروحي. إنه يقرر أن كل ما في هذا العالم مسخَّر للإنسان، ولكن الإنسان نفسه عبد الله، وأن رسالته في الحياة هي أن ينفذ مشيئة الله، والإسلام فيه مدد روحي للإنسان، كما أن فيه إرواء لحاجاته الدنيوية، ويدفع به دائماً إلى تنقية الروح، كما يدفعه في نفس الوقت إلى تقويم وتنظيم حياته الدنيا ليقيم الحق ويهجر الظلم، ويسلك سبيل الفضيلة ويتجنب الرجس والرذيلة.
وبذلك؛ فإن الطريق التي رسمها الإسلام هي الطريق الوسط المثلى.
الخاصة الثالثة: الإسلام نظام كامل للحياة:
ليس الإسلام ديناً يحصر فعاليته في نطاق الحياة الفردية للإنسان كما هي الصورة المشوهة عنه في أذهان الكثيرين؛ بل هو نظام كامل للحياة البشرية في مختلف ميادينها يرسم الطريق لكل جوانبها، سواء في ذلك حياة الفرد أو الجماعة، وفي جانبيها المادي والروحي، وفي مجالاتها الاقتصادية والسياسية والتشريعية والثقافية والإقليمية والعالمية.
والقرآن يحض الناس على الدخول في الإسلام دون أدنى قيد أو شرط إلا أن يقيموا أمر الله في جميع نواحي حياتهم.
ولكن الناس انحرفوا عن سواء السبيل، وما كان أشقاهم وأتعسهم حين اختاروا لأنفسهم أن يحصروا هذا النظام الشامل، فلم يأخذوا به إلا في نطاق الحياة الخاصة للفرد متجاهلين الحكمة الإلهية والنور الرباني فيما أعطاهم من تعاليم تنظم مجتمعهم وثقافتهم.
وما نعتقد أن هناك عاملاً آخر أهم من هذا في أسباب الانحلال الديني في العصر الحديث، حيث عاد الناس القهقرى بدينهم وحصروه في هذا الحيز الضيق في الحياة الخاصة.
والإسلام ينفي بتاتاً مثل هذا التصور والاعتقاد، ويؤكد بوضوح أنه يهدف إلى تنقية الروح وإعادة بناء المجتمع على أساس قويم. يقول الحق سبحانه:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز ٌ} [الحديد: 25].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيه ) متفق عليه.
وما أظن أحداً بحاجة إلى دراسة عميقة لتعاليم الإسلام ليدرك أنه دين شامل ينتظم جميع مجالات الحياة الإنسانية، ولا يدع أي ناحية فيها لتتسرب إليها قوى الشر الشيطانية.
"إني أتنبأ بأن الناس سيقبلون على دين محمد في أوروبا في المستقبل، وقد بدأ يلقى القبول في أوروبا اليوم " جورج برنارد شو.
إن ما تنبأ به هذا الأديب الأوروبي أصبح حقيقة واقعة اليوم، فالدين الإسلامي هو في المرتبة الثانية من حيث أعداد معتنقيه في أوروبا، وهو أسرع الأديان انتشاراً في العالم، أما لماذا؟
فالإجابة على هذا السؤال ستكون بطريقين: إحداهما نظرية؛ نستطلع فيها خصائص هذا الدين الإسلامي العظيم الذي أقبلت عليه البشرية اليوم. والطريق الأخرى: واقعية عملية؛ نستنطق فيها قصص رجالات مشهورين في العالم، في شتى المعارف والعلوم، رجال في السياسة، والفكر، والاجتماع، والاقتصاد، فيخبرونا فيها عن أسباب إسلامهم؛ وعن أثر الدين الإسلامي في حياتهم، ومبلغ سعادتهم باعتناقه.
أولاً: خصائص الدين الإسلامي:
الخاصة الأولى: البساطة والمنطقية والقابلية للتطبيق:
فالإسلام دين لا أساطير فيه، وتعاليمه بسيطة وواضحة مفهومة، فهو لا يقرُّ الخرافة ولا المعتقدات التي تنافي العقول السليمة؛ والإيمان بوحدانية الله، وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه، وبالحياة الآخرة هي المبادئ الرئيسية في العقيدة الإسلامية، وكلها قائمة على أساس من الفكر السليم والمنطق الرصين.
وجميع تعاليم الإسلام ترتكز على هذه الأسس الأولية وجميعها بسيطة وقويمة.
وليس في الإسلام سلطة كهنوتية تحتكر الدين، ولا أفكار مجردة يصعب تصديقها، ولا طقوس دينية معقدة. بل يستطيع كل إنسان أن يقرأ كتاب الله (القرآن ) ثم يصوغ حياته عملياً طبقاً لهذا الكتاب.
والإسلام يحثّ الإنسان على التفكر وتدبر الأمور، وعلى البحث عن الحقيقة والسعي إلى المعرفة؛ ويأمر الله الإنسان أن يسأل ربه المزيد من العلم {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }
[طه: 114].
ويقرر القرآن الكريم أنه بالعلم استحق الإنسان الأفضلية على الملائكة. واستحق الخلافة في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون َ} [البقرة: 30-33].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ) رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان والأرناؤوط. ويقول: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
وهكذا يُخرج الإسلام الناس من عالم الخرافات ومن ظلمات الجهل، ويأخذ بيدهم إلى دنيا العلم والنور، وهو في ذلك دين عملي لا ينحصر في نظريات فارغة عقيمة، بل يقرر أن الإيمان ليس مجرد معتقدات يؤمن بها الإنسان، إنما على الإنسان أن يجعله ينبوع حياته الواقعية فتسري روحه في كل ما يؤديه من عمل كما يسري الماء في خلايا الكائنات الحية، ذلك أن الإيمان بالله يستتبع تنفيذ أوامره، فليس الدين مجرد كلمات ترددها الأفواه في ذكر الله والثناء عليه، بل هو حياة الإنسان كلها، وفي هذا يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }
[الرعد: 29].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه ) رواه النسائي، وقال الألباني: حسن صحيح.
ولهذا نقول إن الإسلام دين البساطة، والعقل، والواقعية.
الخاصة الثانية: وحدة المادة والروح:
من الخصائص الفريدة للإسلام أنه لا يفصل بين المادة والروح، بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة تشملهما معاً، فلا يحول بين الإنسان ومقتضيات الحياة، بل يتولى تنظيم هذه المقتضيات؛ لا يقر الحرمان ولا يطلب تجنُّب الحياة المادية، بل يرسم الطريق إلى رفعة الجانب الروحي من خلال تقوى الله في النواحي المختلفة من حياة البشر، لا من خلال إنكار المطالب الدنيوية، ويحكي عن عباد الله الصالحين: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [البقرة: 201-202].
كما ينعى على أولئك الذين لا ينعمون بواسع فضل الله وما خلق من متاع طيب فيقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون َ} [الأعراف: 32].
ولكنه في الوقت ذاته يطلب إليهم أن يكونوا في ذلك أمَّةً وسطاً: {يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31].
وفي الحديث النبوي: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه ) رواه البخاري.
فالإسلام على ذلك لا يقر الفصل بين المادية والروحانية في حياة الإنسان، ولكن يؤلف بينهما حتى يتسنى للإنسان أن يمارس الحياة بكل طاقاته على أسس صحيحة سليمة، ويعلمه أن الجانبين المادي والروحي متلازمان متلاصقان، وأن تنقية الروح من الشوائب أمر ميسور إذا استخدمت المادة لصالح الإنسانية، ولا يتم ذلك بالتقشف والزهد وقهر الغرائز الحيوية.
وكم قاست البشرية نتيجة سيطرة جانب واحد من الجانبين الروحي والمادي في كثير من الأديان والمذاهب، فبعضها بالغ في تغليب عالم الروح وتجاهل الناحية الدنيوية ونظر إليها على أنها وهْمُ وخيال خدّاع وشَرَكٌ يجب الفرار منه، وبعضها بالغ في تغليب عالم المادة وتجاهل الجانب الروحي واصفاً إياه بأنه مجرد وهم مصطنع وتلفيق خيالي، ولم تجن البشرية من هذا الاتجاه أو ذاك إلا التعاسة والشقاء، بعد فقدان عوامل الأمن والرضى والاستقرار؛ وحتى في أيامنا هذه فإنه ما زال التوازن بين الجانبين مفقوداً.
يقول العالم الفرنسي الدكتور دي بروجبي Dr. De Brogbi إن الخطر الكامن في المدنية المادية البحتة يمكن تلخيصه في أنه موجه إلى هذه المدنية نفسها. هذا الخطر هو الاختلال وعدم التوازن المتوقع حدوثه إذا لم تجد الحياة الروحية لها طريقاً إلى جانب المدنية المادية لتعيد إلى الحياة الإنسانية توازنها الذي تفتقر إليه .
لقد اعتمدت المسيحية على أحد الجانبين وأخطأت المدنية الحديثة في الجانب الآخر.
والإسلام يهدف إلى إيجاد توازن بين هذين الوجهين في الحياة، المادي والروحي. إنه يقرر أن كل ما في هذا العالم مسخَّر للإنسان، ولكن الإنسان نفسه عبد الله، وأن رسالته في الحياة هي أن ينفذ مشيئة الله، والإسلام فيه مدد روحي للإنسان، كما أن فيه إرواء لحاجاته الدنيوية، ويدفع به دائماً إلى تنقية الروح، كما يدفعه في نفس الوقت إلى تقويم وتنظيم حياته الدنيا ليقيم الحق ويهجر الظلم، ويسلك سبيل الفضيلة ويتجنب الرجس والرذيلة.
وبذلك؛ فإن الطريق التي رسمها الإسلام هي الطريق الوسط المثلى.
الخاصة الثالثة: الإسلام نظام كامل للحياة:
ليس الإسلام ديناً يحصر فعاليته في نطاق الحياة الفردية للإنسان كما هي الصورة المشوهة عنه في أذهان الكثيرين؛ بل هو نظام كامل للحياة البشرية في مختلف ميادينها يرسم الطريق لكل جوانبها، سواء في ذلك حياة الفرد أو الجماعة، وفي جانبيها المادي والروحي، وفي مجالاتها الاقتصادية والسياسية والتشريعية والثقافية والإقليمية والعالمية.
والقرآن يحض الناس على الدخول في الإسلام دون أدنى قيد أو شرط إلا أن يقيموا أمر الله في جميع نواحي حياتهم.
ولكن الناس انحرفوا عن سواء السبيل، وما كان أشقاهم وأتعسهم حين اختاروا لأنفسهم أن يحصروا هذا النظام الشامل، فلم يأخذوا به إلا في نطاق الحياة الخاصة للفرد متجاهلين الحكمة الإلهية والنور الرباني فيما أعطاهم من تعاليم تنظم مجتمعهم وثقافتهم.
وما نعتقد أن هناك عاملاً آخر أهم من هذا في أسباب الانحلال الديني في العصر الحديث، حيث عاد الناس القهقرى بدينهم وحصروه في هذا الحيز الضيق في الحياة الخاصة.
والإسلام ينفي بتاتاً مثل هذا التصور والاعتقاد، ويؤكد بوضوح أنه يهدف إلى تنقية الروح وإعادة بناء المجتمع على أساس قويم. يقول الحق سبحانه:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز ٌ} [الحديد: 25].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيه ) متفق عليه.
وما أظن أحداً بحاجة إلى دراسة عميقة لتعاليم الإسلام ليدرك أنه دين شامل ينتظم جميع مجالات الحياة الإنسانية، ولا يدع أي ناحية فيها لتتسرب إليها قوى الشر الشيطانية.